اليوم العالمي للإحصاء 20/10/2017
علا عوض
رئيس الإحصاء الفلسطيني
المدير الوطني للتعداد
يمر اليوم العالمي للإحصاء هذا العام والإحصاء الفلسطيني في خضم تنفيذ التعداد العام الثالث للسكان المساكن والمنشآت 2017 باعتباره حجر الأساس وجوهر العمل الإحصائي والمصدر الرئيسي لرسم السياسات وصياغة الخطط الهادفة لدفع عجلة التنمية في فلسطين في مختلف المجالات، ويقوم على تنفيذ هذا المشروع ما يقارب من 11,000 موظف يبذلون جهوداً استثنائية ويوصلون الليل بالنهار في سبيل تحقيق هذا الانجاز الوطني الهام، فلا بد من كلمة شكر وتقدير لهم بهذه المناسبة، والتي تأتي تقديراً واعترافاً عالمياً بأهمية عملهم. إضافة الى ذلك يستضيف الإحصاء الفلسطيني الاجتماع التاسع للفريق عالي المستوى للتنمية المستدامة 2030، والذي تحمل استضافة فلسطين له رسائل عدة، أهمها إبراز الدور المحوري للإحصاء على الساحة الدولية، واعترافاً بأهمية الإحصاءات كأداة في صياغة استراتيجيات التنمية المستدامة، ورصد التطور الذي تحرزه فلسطين في تحقيق أهدافها التنموية لا سيما المتعلقة بأجندة التنمية المستدامة.
وبهذا اليوم، سأطرح مجموعة من المعطيات والتحديات الإحصائية التي تعكس الوضع الاقتصادي والاجتماعي والديمغرافي للشعب الفلسطيني، فهناك تحديات يفرضها علينا الاحتلال الإسرائيلي وبها يستهدف معظم الموارد الأساسية التي تعتبر أساسا مهما في إحداث التنمية الحقيقية للاقتصاد الفلسطيني، وهناك تحديات داخلية لا يمكن تجاوزها إلا من خلال تنفيذ الخطط الإستراتيجية القطاعية وبشكل تكاملي وبفاعلية وكفاءة عالية، فعلى أرض الواقع يستغل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية، حيث لم يتبقى للفلسطينيين سوى حوالي 15% من مساحة الأراضي فقط، وبلغت نسبة الفلسطينيون 48% من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية. حيث تضع سلطات الاحتلال كافة العراقيل وتشدد الخناق على التوسع العمراني للفلسطينيين خاصة في القدس والمناطق المسماة (ج) والتي تزيد مساحتها عن 60% من مساحة الضفة الغربية. ففي قطاع غزة أقام الاحتلال الإسرائيلي منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي بعرض يزيد عن 1,500م على طول الحدود الشرقية للقطاع وبهذا يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على حوالي 24% من مساحة القطاع والذي يعتبر من أكثر المناطق ازدحاما وكثافة للسكان في العالم بحوالي 5,000 فرد/كم2، وفي الضفة الغربية تسيطر اسرائيل على اكثر من 90% من مساحة غور الأردن والذي يشكل ما نسبته 29% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى جدار الضم والتوسع والذي عزل أكثر من 12% من مساحة الضفة الغربية.
كما أن عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية 413 موقع، منها 150 مستعمرة و119 بؤرة استعمارية، يقطنها 617,291 مستعمر، حيث تشكل نسبة المستعمرين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي 21 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني، بلغت في محافظة القدس حوالي 69 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني (سياسة تهويد في القدس).إضافة الى ذلك يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على 85% من المياه المتدفقة من الأحواض الجوفية، ويسيطر الاحتلال الاسرائيلي على معظم الموارد المائية المتجددة في فلسطين والبالغة نحو 750 مليون م3 سنويا, ولا يحصل الفلسطينيون سوى على نحو 110 ملايين م3 من الموارد المتاحة أي بنسبة (15%), مما يجبر الفلسطينيين على شراء المياه من شركة المياه الاسرائيلية "ميكروت", حيث وصلت كمية المياه المشتراه 70.2 مليون م3 حيث يعيد الاحتلال بيع المياه للفلسطينيين علما أن حصة الفلسطينيين من الأحواض الجوفية حسب اتفافية أوسلو تبدأ من 118 مليون م3 وكان من المفترض أن تصبح هذه الكمية 200 مليون م3 بحلول العام 2000 لو تم تنفيذ الاتفاقية المرحلية، فيما بلغت حصة الفرد الفلسطيني 82.2 لتر/يوم من المياه في فلسطين، ويتراوح هذا المعدل بين 84.3 لتر/يوم في الضفة الغربية, و79.2 لتر /يوم في قطاع غزة مع الأخذ بعين الاعتبار ان ما يزيد عن 97% من مياه قطاع غزة لا تنطبق عليها معايير منظمة الصحة العالمية لمياه الشرب، وهي من حيث الكمية أقل من الحد الأدنى الذي توصي به المنظمة ذاتها وهو (100 لتر/فرد/يوم) كحد ادنى. (حصة الفرد في إسرائيل 5 أضعاف حصة الفرد الفلسطيني من المياه)، ومع سوء المورد الأساسي للحياه في قطاع غزه المتمثل بمياه الشرب إضافة إلى الضغط الديموغرافي على أرض القطاع والذي ينعكس من خلال الكثافة السكانية المرتفعة، حيث يتركز حوالي 2 مليون شخص في مساحة لا تتجاوز 365 كم2 معظمهم من اللاجئين هذا من جانب ومن جانب أخر الحروب الثلاث الاخيرة التي حلت في القطاع والتي ادت إلى دمار شبه كامل في أبسط مقومات الحياه للفرد الفلسطيني هناك لتتصاعد معدلات البطالة والفقر وسوء التغدية وهو ما ينذر بكارثه بيئية وإنسانية وشيكه.
نتاجاً لكل ما ورد فإن الإقتصاد الفلسطيني يعاني من تشوه بنيوي في الهيكلية الإنتاجية وأن معدلات النمو متباينة ومتذبذبه بشكل دائم وهو ما يعكس ضعف وهشاشة هذا الإقتصاد وإعتماده بشكل أساسي على الإحتلال الإسرائيلي فهو إقتصاد تابع. كما أن الإقتصاد مر في عدة مراحل واضحه منذ عام 1995-2015 حيث بلغ معدل النمو من الفترة 1995-1999 حوالي 9% ما أن دخلت الإنتقاضة الثانية 2000-2002 ليتراجع مباشرة بمعدل 10% وفي عام 2006 كان الحصار الخانق على فلسطين ليتراجع بنسبة 4%وخصوصا في غزة بنسبة 18% وتلى ذلك الإعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على القطاع في الأعوام 2008،2012 ونهاية 2014 لنجد أنه في عام 2014 تراجع معدل النمو في فلسطين بنسبة 0.2% وفي عام 2015، 2016 ارتفع بنسبة 3.4% ،4% على التوالي ولكن هذا الإرتفاع إذا تم ربطه بالزيادة الطبيعية للسكان ليدلل على مؤشر حصة الفرد الفلسطيني من الناتج المحلي الإجمالي، نلاحظ ان نصيب الفرد لم يتجاوز معدل النمو فيه 1% في عام 2015 ، 2016 لنجد تباين عالي بين الضفة وقطاع غزة لنرى ان نصيب الفرد في غزة هو نصف نصيب الفرد في الضفة الغربية. كما أن الإقتصاد الفلسطيني يعاني من إخلال قطاعي بمعنى ان هناك تشوه في تركيبة وبنية الإقتصاد الهيكلي الفلسطيني فقطاع الخدمات يشكل حوالي 66% من إجمالي الناتج المحلي على حساب القطاعات الإنتاجية فقطاع الزراعة يشكل حوالي 3% والصناعة 13% والإنشاءات 8% لنستنتج من ذلك أن بنية الإقتصاد الفلسطيني غير مولده للعمالة كون أن الجزء الأكبر منه يتركز في القطاعات غير الإنتاجية
أما الإنسان وهو المورد الأساسي في فلسطين وخصوصا فئة الشباب التي تشكل ثلث المجتمع الفلسطيني فنجد أن التركيبه السكانية في فلسطين تركيبة هرمية قاعدتها الأساس من الشباب وصغار السن لنجد أن حوالي 70% من المجتمع الفلسطيني هو فتي، وكما نعلم يعيش في الأرض الفلسطينية حوالي 5 مليون نسمة موزعين بواقع 3 مليون في الضفة الغربية و2 مليون في قطاع غزة، بمعدل نمو سكاني 2.8%. حيث تشير الإحصائيات إلى تندي معدلات الأمية في فلسطين مقارنة مع دول العالم حيث بلغت حوالي 3% ، كما بلغت نسبة الشباب 15-29 سنة الملتحقون بالتعليم 38% لعام 2016 من إجمالي الشباب في هذه الفئة العمرية بواقع (71%) ضمن الفئة العمرية 15-19 سنة، مقابل (19%) في الفئة العمرية 20-29 سنة. (وبالتالي هناك إجماع إجتماعي وثقافي وفكري عند الأسر في فلسطين بأهمية التعليم كسلاح أساسي لأبنائهم)
ولكن يقودنا ذلك إلى أن المجتمع الفلسطيني تواجهه مجموعة من التحديات التي تتعلق بالمورد البشري وتمكينه للعيش بكرامة على الأرض الفلسطينية فمن أبرزها البطالة والفقر حيث بلغ معدل البطالة في فلسطين حوالي 27% بتباين واضح بين الضفة الغربية وقطاع غزة لتبلغ في قطاع غزة إلى أكثر من 40%، إضافة إلى تفاقم حجم الفجوة بين مخرجات نظام التعليم الفلسطيني والفرص المتاحة للعمل، حيث تشير الإحصاءات إلى أن مجموع الأفراد المشاركين في القوى العاملة الشباب الخريجين الذين يحملون مؤهل دبلوم متوسط فأعلى بلغ حوالي 182 ألف مشارك حوالي 98 ألف خريج منهم عاطل عن العمل أي بمعدل بطالة تتجاوز 50%، لنجد أنه سنويا تُخرج الجامعات الفلسطينية بالمعدل من 35 الى 40 ألف خريج فيما تشير التقديرات إلى أن السوق الفلسطيني المحلي يستوعب حوالي 8 آلاف وظيفة بالحد الأقصى رغم احتياج السوق الى تخصصات غير موجودة لدى الشباب الفلسطيني. من جانب أخر إن نسبة البطالة تزداد مع ارتفاع التحصيل الأكاديمي للشباب، لنجد أن أعلى معدلات البطالة قد سُجلت بين الحاصلين على درجة جامعية بواقع 42%، بينما بلغ معدل البطالة لفئة التعليم الثانوي المهني حوالي 21%. كما أن تدني التحصيل الأكاديمي بالنسبة للمهارات المطلوبة في المهن التقنية يشكل التحدي الأكبر للشباب العاملين في فلسطين، حيث تشير النتائج إلى أن أكثر من 65% من الشباب الذين يعملون في المهن التقنية تحصيلهم الأكاديمي أقل من المطلوب، ومن الجدير ذكره أن ثقافة وتوجهات المرأة الفلسطينية ما زالت تتركز في قطاعي الصحة والتعليم، إضافة الى ذلك، من الملاحظ توجه الشباب الفلسطيني نحو استكمال دراستهم العليا الأكاديمية كبديل مؤقت لمعالجة فترة التعطل عن العمل.
إن إحداث تنمية اقتصادية حقيقية تعتمد على النظرة القطاعية للواقع الفلسطيني نحو حل مشكلتي البطالة والفقر المتفاقمة بما ينسجم مع أجندة السياسات الوطنية 2017-2022 التي أقرتها الحكومة الفلسطينية وحملت شعار "المواطن أولا" من خلال:
تكامل الأدوار بين مختلف المؤسسات الحكومية والاهلية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني من أجل تقليص الفجوة التي تحدث نتاج عدم التوازن بين ما يطلبه السوق المحلي الفلسطيني وطبيعة مخرجات التعليم من خلال التركيز على تطوير قطاع التعليم المهني وتطوير جودة التعليم،
المباشرة في تعزيز الترابط الاقتصادي بين "مناطق ج" والمناطق الأخرى في المجال الزراعي من خلال استخدام الاراضي الزراعية لمناطق ”ج“ في انتاج محاصيل الحمضيات (في قلقيلية على سبيل المثال )من أجل ان تكون مدخلاً أساسيا لصناعة المشروبات ، وكذلك إنتاج محاصيل الخضروات في منطقة(الاغوار) لتكون مدخلا في صناعة المخللات والمفرزات. حيث تشير جداول العرض والإستخدام 2004 ان الواردات السلعية هي المدخل الاساسي في الإنتاج الصناعي لذلك من الضروري عمل تكامل بين القطاعات الإقتصادية المختلفة لتكون في الاساس مدخلات القطاع الصناعي مخراجات من القطاع الزراعي.
تفعيل الدور الحكومي والأهلي والخاص لزيادة الرقعة الزراعية من خلال تشجيع زراعة الأراضي غير المزروعة والقابلة للزراعة خاصة البعلية منها في المناطق الجبلية وتشجيرها بحيث تساهم في الأمن الغذائي من ناحية وتحسين دخل الأسر الفلسطينية من ناحية أخرى بالإضافة الى اصدار التشريعات اللازمة لتشجيع تأجير وبيع المساحات غير المستغلة من الحيازات لفئات راغبة في الاستثمار في القطاع الزراعي
حماية المنتجات الزراعية الفلسطينية من منافسة المنتجات الإسرائيلية المحمية وأيضا من المنتجات الأجنبية.وحل مشكلة التسويق للعديد من المنتجات الزراعية من خلال تنظيم عملية الإنتاج (كما ونوعا) وإقامة مشاريع تصنيع زراعي. تطوير فكرة دمج الحيازات الزراعية الصغيره بحيازات كبيره للإستفادة من وفورات الحجم.
صياغة رؤيه واضحة لتذليل كافة العقبات التي تواجه الاقتصاد المحلي وتحول دون إنتاج بعض السلع المطلوبة محليا وهنا يأتي دور كافة المؤسسات للتكامل لتحقيق ذلك. فمثلا الواردات الفلسطينية السلعية تشكل حوالي 45% من الناتج المحلي الإجمالي، والدارس لهيكلية الوردات يرى أن هناك مجموعة من السلع المستوردة وذات الأهمية النسبية العالية من مجمل وارداتنا يمكن إنتاجها محليا فمثلا نستورد سنوياً ما قيمته 160 مليون دولار من الأعلاف و85 مليون دولار من الطحين وهناك أيضاً العصائر والمشروبات الخفيفة ومواد التنظيف التي نستورد منهاما يقارب 60 مليون دولار، أيضا يحتاج السوق الفلسطيني إلى منتجات الألبان أي أن ما ينتجه الإقتصاد المحلي من ألبان لا يغطي الطلب المحلي.
دعم السياحة الفلسطينية من قبل القطاعين الخاص والحكومي لتعزيز دورها في تطوير وتنمية هذا القطاع وخصوصا في مجال الإعلام والترويج للأماكن السياحية في فلسطين وتقديم التسهيلات التي تليق بالزوار الوافدين من الخارج.فمثلا: يخسر الاقتصاد الفلسطيني أكثر من 75% من عوائد تقديم الخدمات السياحية اللازمة للزوار الوافدين إلى المناطق السياحية الفلسطينية ككنيسة المهد في بيت لحم وجبل قرنطل في أريحا حيث تسارع شركات الإحتلال الإسرائيلي على ترتيب إقاماتهم داخل الإحتلال الإسرائيلي دون وجه حق
الإستثمار في قطاع تكنولوجيا المعلومات وتعزيز الوعي نحو فكرة احتضان المشاريع الريادية في مجال خدمات البرمجة.